الهوية المؤسسية

إن التعريف السائد والمتفق عليه من طرف الباحثين لهوية العلامة التجارية «على أنها الطريقة التي تؤدي المؤسسة أن تظهر بها علامتها التجارية فـي السوق المستهدف»
وبذلك فالمؤسسة التي تسعى لبناء هوية لعلامتها التجارية تطرح التساؤل التالي :
كيف نريد أن يرى المستهلكون علاماتنا التجارية ؟ تقليدية/عصرية ، ذكورية/أنثوية ، وظيفـية/نفـسية ، براجماتية/ اجتماعية … الخ . أي أن المؤسسة تجد نفسها أمام العديد من الخيارات ، و فـي نهاية المطاف تقوم باختيار ما يتناسب مع ثقافتها و ثقافة مجتمع المستهلكين المستهدف .

 

في البداية لابد أن أوضح أمرا هاما للغاية ، وهو أن معظم الذين يستخدمون كلمة الهوية يخطئون حتي فـي نطقها بطريقة هجائية صحيحة وأحيانا تلتبس بعض المفاهيم الكبيرة علي العامة جراء هذا الخطأ البسيط ، فما ظنك بتفسيرها !!؟

id

لهذا سأتحدث بالتفصيل أولا عن أصل ومعني كلمة «هوية» وتفسيراتها لمختلف الأشكال التي يمكن أن تظهر عليها ،،

مصطلح الـ «هوية» فـي اللغة العربية مشتق من كلمة الضمير : هُو (بضم الهاء) ،، أما كلمة هَوِيَّةُ (بفتح الهاء) : هي البئر البعيدة القعر ومنها الهاوية أي الـمُنْحَدَر الشاهِق أو الـجُرُف .

والْهُوِيَّةُ (بضم الهاء) : فتعني الحقيقة أو التعريف المطلق ، وهو المعني المقصود بالحديث ،،

وعليه فإن هُوِيَّةُ الانسان : حقيقته المطلقة وصفاته الجوهرية ، وبطاقة الْهُوِيَّةِ : هي البطاقة التي تحمل اسم الشخص وتاريخ ميلاده وعمله وجنسيته وهكذا ،،

أما الهُوِيَّةُ ( فـي الفلسفة ) : هي حقيقةُ الشيءِ أَو الشخص التي تميزه عن غيره وتعد من مميزاته الأساسية التي يمكن بالفعل التعرف عليه من خلالها .

نأتي الآن لمفهوم أعمق وأوسع وأشمل من الهوية البصرية والذي ما زال يشهد جدلاً واختلافاً نسبياً فـي تعريفه لدي رواد ادارة الاعمال ، ألا وهو .. الهوية المؤسسية ،،
إن الهوية المؤسسية تتجاوز العناصر البصرية لتشمل أيضا مجموعة القيم والمنافع التي تقوم عليها أوتقدمها تلك المؤسسة .

المرحلة التي أعتبرها من أهم المحاور فـي بناء الشركات العظيمة هي مرحلة دراسة وتحديد الهوية المؤسسية الخاصة بتلك الشركة ، وبالتالي يجب علي تلك المؤسسة أن تدرك وتحدد القيم التي تستند إليها لبناء مستقبلها ، ومن ثم تأتي مرحلة بناء الهوية المؤسسية الحقيقية داخل أذهان العملاء ، ومن هنا كان لازماً أن يتم بناء علامة تجارية قوية عبر شركات عالمية متخصصة فـي مجال الهوية المؤسسية وذلك لتقديم أفضل الاقتراحات أو التصورات الإبداعية التي ستحدد مسار وخارطة الطريق للمؤسسة للتعامل مع متغيرات الزمن .

 

فإن الهوية المؤسسية ستجعل عملاءك يتذكرون مؤسستك بمجرد ذكر ما تقوم أنت بممارسته أو ما تصبوا إليه ، أو بمجرد المرور بالقرب من المبنى ، أو حتي رؤية إعلاناتك فـي الشارع دون الحاجة لرؤية شعار المؤسسة نفسها أو حتي فكرة الإعلان وهنا يكمن النجاح ،، وهذا ما أسميه بـ «بناء الانتشار» ..
ومن هنا تبدأ مرحلة بناء العلامة التجارية على نطاق عالمي ومستقيم ، حيث إن هناك تقييماً سنوياً لقوة العلامة التجارية للمؤسسات حول العالم وبالطبع تريد أن تكون مؤسستك فـي تلك القائمة ، – اذا تصورنا أن العلامة التجارية تحمل بداخلها هوية مؤسسية قوية تثار فـي الذهن وحتي بمجرد رؤية الشعار فقط – . ومنه لابد وأن ينتقل الفكر الخاص بالمؤسسات فـيما يخص الاهتمام بالهوية المؤسسية من مجرد شعار مرسوم ومطبوعات جميلة إلى كيان وهوية تحدد من أنت وماذا تفعل وأيضا كيف تفعل ذلك ، وما هي العناصر التي ستبنى عليها هويتك المؤسسية ، وإن تم ذلك بنجاح سينعكس على نتائج المؤسسة بصورة ايجابية .

ومع الأسف ، معظم الشركات المحلية تفتقد إلي تلك القيمة ، وهذا بلا شك سبب وقوع أسهم تلك الشركات فـي أعين عملائهم أولا . فكونك عميل لديهم أو حتي مستشارا لهم عندما تتفقد مقارهم وتجري مقابلات معهم وقد فعلت ذلك كثيرا فأحيانا تري اهتماما بكيفية تعامل العملاء وسماع مشاكله ولكن ذلك فقط يكون الإهتمام «مصطنع» وأحيانا لا يكون هناك اهتمام أصلا ، ولكن فـي كلا الحالتين لا تجد أن العملاء الحاليين راضيين تماما عن الخدمات التي يتلقونها أو أنهم قد يوصون بها لمن يسألهم عن مؤسسات تقوم بتلك الأعمال ،، والسبب واضح وهو عجزهم عن خلق هوية مؤسسية توضح للعملاء خاصة وعامة الناس عامة من نحن !؟ وماذا نفعل بالضبط !؟

قد يكون سرد الأفكار فـي هذا المجال صعب بعض الشئ ولكن دعني أختصر لك الأمر ، عندما تبحث عن شركة ما وتقصد معايير محددة أثناء بحثك ثم تجد أحدي الشركات تقول لك «أنا ذا» وتعجب بعناصرهم البصرية أو كياناتهم ثم فتتقدم بعملك إليهم وتتعامل معهم ثم تجد نفسك «متورطا» بالتعامل معهم وتتمني أن تستيقظ من هذا الكابوس .. فتأكد أنه ليست لهم أي هوية مؤسسية علي الإطلاق ،، وإن أقسموا علي ذلك .

لنوضح الأمر بمثال ،،
ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما يتم ذكر سيارة « فولفو » ؟ نعم .. إنه الأمان ، فقد عرفت هذه السيارة بهذه القيمة وارتبطت بها ، ليس لأن الناس اكتشفت ذلك من خلال التجربة ، ولكن لأن هذه الشركة اعتمدت فـي بناء وتسويق هويتها التجارية على هذه القيمة بعينها ، بحيث ركزت على الاهتمام بهذا الجانب فـي تصنيع سياراتها وعند التسويق لها أو حتي الإعلان والذي اعتبرت بأنه من العناصر الجاذبة المهمة لمن أراد اقتناء سيارة ، وقد نجحت شركة «فولفو» فـي ذلك .

volvo-logo

«فولفو» Volvo هي شركة سويدية لتصنيع السيارات والسيارات الثقيلة تم إنشاؤها سنة 1927 م وتعتبر رائدة السلامة فـي السيارات فهي أول سيارة يتم ادخال حزام الامان بها ، والإسم «فولفو» يعني باللاتينية «أنا أتدحرج» . تملك شركة فولفو مجموعة من الشركات الفرعية حول العالم منها شركة شاحنات «ماك» و «رينو للشاحنات» و شركة شاحنات «يو دي» وشركة «نوفا باص» . تسعى شركة «فولفو» جاهدة لأن تكون كافة سياراتها أمنة بصورة تامة وخالية من الحوادث و الاصطدامات وعلى ذلك فهو امر مستحيل علميا ، ولكنها تسعى الى ذلك بكل ما تملك من مهارات تقنية ويمكن لنا ان نعتبر السيارة «فولفو» من اكثر السيارات امانا على مستوى العالم .

 

لا أريد أن أكون مثالياً فـي الطرح ، ولكن أحببت أن أكون موضوعياً ، وحتى أكون أكثر نفعاً سأكون أيضاً مساهماً معكم ببعض الخطوات لبناء هوية مؤسسية قوية :

أولاً :

قم باختيار قيم تمثل مؤسستك يمكن أن تترجم لعناصر لبناء الهوية ، ويجب أن تكون هذه القيم ذات معنى فـي المجتمع ، ومرتبطة جيدا بطبيعة رسالتك وما يحتاجه العملاء منك .

ثانياً :

لا تغير اتجاهك بعدما حددت هدفك وقيمك وهويتك ، فإن ذلك قد ينعكس سلباً ، لذلك تأكد عندما تحدد هوية المؤسسة أن هذا اختيار يصعب بالفعل تغييره مستقبلا ، فإن فعلت ،، فاستمر فـي وضع الخطة لبناء الثقة مع العملاء والموظفـين .

ثالثاً :

التطوير المستمر لعناصر الترويح وخطط التسويق والإعلان التي يجب أن تكون مبنية لقيمك وهويتك المحددة مسبقا .

 

مقالات ذات صلة

6 تعليقات

  1. Mostafa wahba
    23 يناير,2016 في 3:58 م - Reply

    ممتاز جدا جدا يا احمد تسلم ايديك موضوع مهم جدا و مميز جدا جدا.

  2. Nora Algalad
    25 يناير,2016 في 1:11 م - Reply

    موضوع جميل و مميز جدا عن الهوية .. تسلم يااحمد عليه بجد مفيد جدا

  3. Ahmed Sanad
    26 يناير,2016 في 6:27 م - Reply

    رائع استاذي, دائما تمتعنا بمقالاتك
    في النتظار المزيد 😉

  4. some one
    27 يناير,2016 في 9:37 ص - Reply

    شكراً لكم بارك الله فيكم

  5. Ahmed Ali
    6 فبراير,2016 في 7:52 م - Reply

    أشكرك، مقال بالفعل يعلمك ماهي الهوية المؤسسية

  6. حمداوي محمد ياسين
    20 أبريل,2016 في 10:58 م - Reply

    فعلا موضوع قيم , يتناول العديد من المصطلحات التي أصبحت استعمالها مغلوطا عند كثير من الناس
    شكرا على مجهوداتكم التي تقومون بها في سبيل إثراء المحتوى العربي .